سيرة خبات
حدث ذلك في صيف العام الماضي.. كانت كتيبة من النمل تنقل جثة دودة صغيرة حين مرَّتِ الخنافس بجانبها.
كانت الخنافس تثرثر وهي تدحرج غنائمها من روث خنزير ضخم الجثة مرَّ مصادفة بالغابة العظيمة، بحثاً عن الطعام قادماً من بحيرة الموت شمالي المستعمرة السعيدة. سمعت جماعة النمل ثرثرات الخنافس السوداء.. فلم تُعِرها أدنى اهتمام.. لكن النملة الشقراء توقفت فجأة عن الحركة، ووضعت ما كانت تقبض عليه بفكيها, وصارت تسترق السمع إلى أمواج الثرثرة الخنفسية.. ينقلها الأثير المتخَم بروائح كثيرة.. لا تميزها سوى تلك المخلوقات.
قالت خنفسة يلمع ظهرها القطراني في نور الشمس لخنفسة أخرى قريبة:
-أَتَرينَ هذه الجماعة من النمل؟
-كيف أراها وعيناي في الأرض؟ هل أَنظر إليها بمؤخرتي المرفوعة صَوب السماء؟ يا لهذا السؤال الأحمق.
-استريحي قليلاً.. واصعدي إلى قمة الكرة وانظري.. جماعة نمل تجرُّ جثة دودة.
-وما الغريب في الموضوع يا رفيقتي الخنفسة؟ هذا هو دأب النمل.. الأفضل أن أُدحرج كرتي المقدسة حتى أصل إلى البقعة التي سوف أدفنها فيها.
-لو علمت عاملات النمل هذه ما يوجد في حقل الكوردي سيبس لتركت كل عمل وتقاطرت إلى هناك في أرتال طويلة.
-الكوردي سيبس؟
توقفت الخنفسة ذات اللمعة القطرانية.. صعدت إلى سطح كرتها الصغيرة وسألت باستعلاء:
-أَلا تعرفين حقل الكوردي سيبس؟ لا توجد خنفسة من جنس الجعران لا تعرف هذا الحقل الرهيب.
-وماذا فيه؟
-يقال إن الحشرات هناك تتحول إلى فطر الكوردي سيبس.. أية حشرة يتمكن الفطر من الوصول إليها تنقلب حياتها رأساً على عقب.. قالت جدتي: إن الخنفساء ترتاح من همّ صنع الكرات ودحرجتها بعد أن تصل إلى ذلك الحقل.
-وكيف ترتاح؟ وماذا تفعل الخنفساء إن لم تدحرج كرة الروث؟
-إنها تصبح مسكناً للكردي سيبس.
-من؟
-الخنفساء.
-ثم ماذا؟
-بعد أن تصبح مسكناً للفطر لا تعمل شيئاً آخر.. تبقى ثابتة في مكانها. -أووه.. شيء مثير حقاً.. لقد تعبنا فعلاً من دحرجة هذه الكرات أمّاً عن جدة. سأذهب غداً إلى هناك.. أنا أبحث منذ زمن بعيد عن مغامرة تغير نمط حياتي